"كفــن الحـــب"
.
.
في الزمن غير المسطور في كتاب .. كانت هناك قصة حُبكت على أعتاب الحياه.....
شهد ذلك الزمن ولادة طفله.. وبعد أن أبصرت نور الأرض .. قالوا لوالدتها "لن تعيش"!!
تحطمت لدى كلماتهم .. وذرفت الدمع الحزين ....
أدخلوا صغيرتها داخل غرفة زجاجية تليق بذلك الجسد الصغير....
هي تراها تتنفس .. وبالرغم مما يحيطها من أجهزة دقيقة وكثيرة قالت لهم : (ابنتي لن تموت .. مادامت تتنفس)....
صبرها زوجها وهو لايكاد اصطبار....
.
.
شهر واحد ووالدتها لم تفتأ من زيارتها .. ولم تكل من التمسك بخيوط الأمل الذي تشبثت بهم بقوه...
شهر واحد ولاتزال الصغيرة تحت رحمة الله...
.
.
تعاقبت صفحات الزمن .. فتوقف عند صفحة "الأمل".. فبعد اسبوع من انقضاء الشهر .. رن جرس الهاتف .. وكان الطبيب يقول للوالد : بامكانك المجيء للمستشفى لتنهي أوراق صغيرتك لتستلمها .. فالصغيرة تعدت مرحلة الخطروهي الآن بخير...
لم يصدق الوالد ذلك .. الاعندما ذهب لمعاينة ابنته .. فحين رآها وأمسكها لأول مرة بيديه.. قال فرحاً: يالرحمة الله.....
كان كل شيء فيها طبيعياً .. وكأنها لم تكن حبيسة تلك الغرفة الزجاجية.. وتلك الأجهزه....
قبلها.. وضمها طويلاً.. وراح يذرف دموعه باسترسال....
وقال بصوت امتزج بألم: سامحيني ياابنتي لأني لم أزركِ .. سامحيني لأني تخليتُ عنكِ ,فأنا ياصغيرتي لم أرد أن أتعلق بكِ .. لأُفجع بعدها بموتكِ ...
آآآه ياصغيرتي.. كيف عساي أكفر عن خطيئتي ؟!!!...
.
.
أعطاه الطبيب موعداً ليُحضرفيه الطفلة حتى يطمئن أكثر على سلامتها ...
.
.
.
جاء الطبيب للغرفة .. أخذ يتفحص الطفله ويحرك سماعته على جسدها.. وراح يقلبها تارة على اليمين وأخرى على الشمال...
بعدها سلمها لوالدتها... وجلس على كرسيه ليكتب في ذلك الملف الموجود أمامه...
سأله الوالد عن حالها فطمأنه ... وبعد انتهاء الفحص .. وحين هم الوالد بالخروج .. استوقفه الطبيب وطلب منه البقاء قليلاً معه معللاً ذلك أنه سيتحاور معه حول الدواء الذي سيصفه للطفله ....
خرجت الأم وبقي زوجها... وراح يتفرس ملامح الطبيب ... بعدها قال: دكتور.. مابها ابنتي؟!!!!.... أهي بخير؟!!!.....
قال له الطبيب مهدئاً :لاتقلق هي بخير... ولا أخفي عليك الحقيقه .. انها لن تعيش كغيرها من الأسوياء...
نكس الوالد رأسه ألماً وترقرق الدمع في عينيه ...
قال له الطبيب :اشكر الله أنها لاتزال على قيد الحياه ... فهذا ماهو الا ابتلاء من الله يمتحنك به.. فكن مؤمناً بما كُتب لك....
.
.
.
لاتزال صفحات الزمن تتقلب ... وهاهي الزهرة تفتحت وسط دلال يحيط بها من كل جانب ... وما أن تطلب شيء حتى تجده ماثلاً بين يديها ....
.
.
في وسط هذه العولمة .. غاصت تلك الزهره وسط غمار الشبكة العنكبوتيه ... فتعرفت على عالم آخر.. عالم جعلها تعيش فيه انسانه أكثر تفاؤل .. عالم تستطيع فيه حروفها أن تنطق وكلماتها تصرخ .. ومشاعرها تجتاح الوجود...
أحبت ذلك العالم .. فهو جعلها تحلق من جديد وكأنها ولدت للتو.. فأصبحت تقضي فيه جُلّ وقتها...
.
.
التحقت باحدى المنتديات.. فوقعت عيناها على كتابات كأنها أنهار تسير على صدر السطور بعذوبة وسحر.. ربما هي أنهار السلسبيل أو الكوثر تجلت في حضرة تلك الحروف ... استولت على اهتمامها .. وباتت كل يوم تغرف منها حتى الثماله .. فقرأت وقرأت .. حتى شعرت أنها لاتستطيع أن تغض ناظريها عنها فلقد أدمنتها .. وكأنها تعرف كاتبها منذ الأزل ....
تمنت أن تقترب من صاحبها أكثر .....
فشاءت أن يتسلط ضوء الشمس على هذه الأمنيه .. فتكسرت الحواجز بينهما ... فكتبت له تجاريه نفس العذوبه ... فكتبت له وكتب لها .. فأحبته .. "وأحبها" ...
وبقيت كلمة (أحبكِ) .. التي كتبها لها أول مرة تدغدغها .. وتعبر بها مدن الأحلام .. كلما تذكرتها ....
تبادلا كتابات الحب .. وخلداها لكل العشاق ..لينهلوا منها كلمات العشق السحريه وتكون أفيوناً لهم ...
كتابات حب كتبت فيها شفافيتها ورسمت أحاسيسها بنبض قلبها .. وراحت تمرر ريشة شريانها بطهر وصدق ...
.
.
.
ذات يوم وحين كانا يتحادثان "مسنجرياً" .. طلب منها أن يحادثها هاتفياً ليسمع صوتها الذي طالما حلم به ....
اعتذرت منه ... فتقبل الأمر كونها قدمت أعذار لامناص منها ...
.
.
.
لازال الزمن يسطركتاباتهما بالاستثناء من حياتهما على سطور حمراء تتغلفها الأحاسيس المخمليه .. والدفء والانسجام ...
.
.
مابين رسائل الحب ومحادثات المسنجر ... توطدت أواصر علاقتهما ... فكانت كلمات الحب هي شاهداً عليهما ...
.
.
.
أعاد طلبه للمرة الثانيه بمحادثتها هاتفياً قائلاً : بأن كل العشاق يسمعون أصوات بعضهم البعض .. ولكي لاتكوني مجرد سراب عرفته في هذا العالم .. فان كنتِ خائفة من والدكِ .. فبإمكاني أن أهاتفكِ .. فقط أعطني الرقم وأنا سأتولى أمرالباقي ...
كتبت له : لاأستطيع.. أرجوك قدر موقفي ...
كتب لها: أريدكِ زوجةً لي.. وأقسم على ذلك صادقاً .. ألا تثقين بي ..
لم تعرف ماتكتب له.. فلقد باتت وليدة الصدمه ...
كتب لها : تقبيلن بي زوجاً؟؟؟...
كتبت له بعد بضع لحظات صمت : لاتتسرع فهناك الكثيرات من هن أفضل مني...
_ لكني اخترتكِ أنتِ.. ولاأحد سواكِ ...
لم تعرف ماتجيب فتوقفت مرة أخر عن الكتابه ...
فكتب لها متسائلاً: أتحبينني؟؟؟!!!...
كتبت له : أنت تعلم بأني أحبك بملىء جوارحي ...
_ اذاً .. اقبلي بي زوجاً .. فأنا أحبكِ ولايمكنني العيش بدونكِ .. وهذه ليست هرطقه وانما هي الحقيقة التي أودها أن تجد النور بالقبول ... أرجوكِ لاتردي طلبي فأنا أحبكِ بعمق.. وهذا النابض داخل ضلوعي شاهداً على ماأقول...
حاولت كفكفة دموعها التي تساقطت على وجنتيها كسيل عارم .. فكتبت له: أرجوك افهمني ...
دُهش من معاملتها هذه .. فتحطم "قلبه" .. اذ أنه لم يتوقع ردة فعلها هذه .. وشعر بأنها لاتحبه كما هو يحبها بعمق .. ولأنه استشعربالمهانة أمامها أيضاً كتب بألم : أنا آسف لن أعيد طلبي مرة أخرى .. فعلى مايبدو أني أحببت مجرد خيال ... اعذريني الآن فلدي أمر طارىء ...
حاولت أن تمهله لكن محاولاتها باءت بالفشل... فخرج وبقيت وحيدة تصارع ماألم بها وتستعيد مادارفي تلك المُحادثه وهي تهمل الدموع ...
وضعت وجهها على كفيها وتمتمت مع نفسها قائلة: ماذا تريدني أن أقول لك ياحبيبي ؟!! .. هل أخبرك الحقيقه ؟!!....أوااااه ماأصعب الموقف ...
.
.
فتحت صفحة الرسائل لتكتب له رسالة تغلفها بألمها فكتبت ....
حبيبي ....
ماذا أكتب لك في هذه السطور؟!!!... هل أكتب لك بأني كبرت وأنا ورقة ذابلة تنصلت منها كل الأحلام التي عبرتها بأقدام الطفولة الحافية على أشواك الزمن .. وأنا لاأزال أتجرع الغصات الممزوجة بالملح والألم ...
كبرت وأنا أرى نفسي أختلف عن قريناتي ...
كبرت وبداخلي لاتزال أمنية مقيدة لاتستطيع إحلال القيود عنها لتشرق عليها أشعة الشمس وتخرج من الظلمات إلى النور...
كبرت وعقارب الساعة تلدغني وتجرف آمالي للعدم...
لم أعد سوى صورة لهيكل .. ترتسم عليه إبتسامة من ألم ...
احترق كل ماأحببت مذ أدركت واقعي ... لم يعد لي سوى دمع وقلم يصبراني في محنتي التي أنا فيها ...
لم يعد في الدرب سوى أكاليل الأحزان والحرمان ...
كبرت وأنا أرى موقعي بين اليأس والعدم... وأحاول دائماً التظاهر عكس ذلك...
فحياتي فيما مضى ليست سوى نزيف المسافات من عمري ...
والآن...
عندما عرفتُ هذا العالم وعرفتك شعرت بأن الدنيا ابتسمت لي من جديد .. حتى مشاعري أتقنت فن النطق لديك .. فأصبحت مشاعري ناطقة بحبك .. نعم أحببتك أكثر مماتعي ووثقت بك أكثر مماتستطيع أن ترسم حدود التصور....
فأنت جعلتني أحلق بعيداً عن ألمي .. حتى أني تناسيته وماعدتُ أشعر به ... فازددتُ بك حباً....
وها أنا ذا الآن أشعر بأني أنهض من الموت لأستيقظ في كفن هذا الحب...
فأنا أعترف لك بأني أخفيت الحقيقه .. وتنكرت لواقعي ... ليس لشيء... سوى أني "أحبك"....
فمالاتدركه أن حبيبتك "خرسـاء"...
فسامحني فأنا لم أقصد أن أخفي عنك هذا .. ولكني تناسيتُ مابي عندما أخذتني لأبحر في شواطىء مدنك وأهديتني القطعة الحمراء التي تنبض في صدرك ...
ولكن...
كيف ثم كيف لانسان أن يتنصل من واقعه؟؟!!!....
سامحني يا "حبيبي" ... لأن حبيبتك ليست سوى "خرسـاء"....
.
.
.
أرسلتها له ... ولاتزال الدموع تسجل نفسها فوق صفحات الوجنات ...
.
.
وانتحر الزمن ... بانتحار الدموع .