النداء الاخير للقطار للقطار المتجه إلى القاهرة
يتردد عبر الاذاعه الداخليه لمحطه القطار
بينما كنت اجلس فى احدى عربات الدرجه الاولى ، التى بدت خاليه الا من بعض السياح الاجانب
أخرجت من حقيبتى صحيفه "اخبار اليوم" وبدأت مطالعاتها بينما القطار يتحرك فى بطء ، انهيت قراءة الصحيفه فطويتها
واعتدت فى جلستى و ...
فجأة ..رأيتها ، ملاكاً رقيقاً على شكل
فتاه باهرة الحسن ذات وجه ابيض مشوب بحمرة خفيفه وعينين زرقاوين .. أين
رأيتها ؟
دوى ذلك السؤال فى ردهات عقلى و .. ساد الصمت .. شردت العيون سبحت فى اللامكان ، إلى الوراء عادت الى
الذكريات
"أقف بقى انا تعبت"
سمع ذلك الطفل تلك العباره من صديقته فتوقف لاهثاً ، وما ان لحقت به حتى ابتسم لها فى حنان قائلاً
- إنتى تعبتى ولا ايه ؟
ابتسمت فى رقه وهى تقول :
- معاك مبحسش بالتعب ابدا
ارتفع حاجبا الطفل فى حنان بالغ مما جعلها تبتسم فى حياء ، وتشبكت ايديهما وهما يمشيان فوق ذلك الجسر
الترابى صوب شجرة سنط ضخمه
جلسا على احد افرعها ، وهما يتحدثان فى سعاده بالغه ، او يتناجيان ان صح القول ، لقد نسيا العالم من حولهما ، ذاب
كلا منهما فى عين الاخر
لو قدر لاحد ان يراهما فى تلك اللحظه لرأى الحب فى عيونهما
هل من الممكن لمثلها ان يعرف الحب
نعم ولم لا .. إنه الحب
عدت الى الواقع ،، الى عينيها ، الى
حيرتى فيمن تكون هى .. فجأة .. انتبهت اليها .. الى نظراتها لى ...
والتى بدت لى وكانها تستعيد شيئا من .........!!!
فى صباح ذلك اليوم من شتاء عام 1984
وفى نفس المكان اسفل شجرة الحب كانت تجلس تلك الطفله وهى تبكى
فى شده .. حتى احست بوقع اقدام تقترب منها ، فرفعت وجهها بحركة حاده غاضبه لترى ذلك الطفل صديقها ، وهو
يقف مبتسماً فى حنان بالغ ، اشاحت عنه بوجهها وهى تهتف فى غضب :
- ايه اللى جابك ؟
جلس امامها وقال فى هدوء
- جيت عشان ده احب مكان لقلبى ، وفيه بقعد مع البت الصغنونه اللى حبيتها من كل قلبى
ومع ان قشعريره بادره كالثلج سرت فى جسدها وجعلتها تنتفض الا انها سحبت يدها فى عنف عندما احتضنها تلك
الطفل بين راحتيه وهتفت فى صرامه :
- ياللا .. روح للبنت اللى كنت واقف معاها امبارح قدام السوبر ماركت .. اكيد طبعا هى اجمل منى و .....
قاطعها ذلك الطفل وقد ارتفع حاجباه فى دهشه عارمه وهو يقول بصوت هامس
- يااااه .... إنتى بتغيرى
إلتفتت إليه وهى تقول فى حده
- إنت مش فاهم حاجه ... انا بحــــ......
أختنق حلقها بالكلمات وهى تلوح بكفيها فى عصبيه واضحه ، ثم لم تلبث ان ارتمت فى ذراعيه وهى تبكى فى شده
، فأحتواها بين ذراعيه ، وهو يبتسم فى حنان قائلاً :
- إوعى تغيرى من أى بنت ، متقارنيش نفسك بأى واحده منهم ، إنتى عارفه ليه
وتهدج صوته وهو يستطرد :
-لأنى بحبك
رفعت وجهها الى عينيه ، وابتسمت فى رقه وجاذبيه بدت عجيبه على سنوات عمرها الاثنى عشر و.....
يالروعه الحب ...
((إنها هى ))
انطلق ذلك الهتاف من اعمق اعماق قلبى ولم يتجاوز شفتى إلا أننى أحسست بأنها قد سمعته ، فقد
ابتسمت فى رقه وجاذبيه ....
ياالهى بعد كل هذه السنوات .. تردد ذلك الصوت فى اعماقى ، واترك حقيبتى ومقعدى واذهب اليها اجلس امامها ،
عيناى فى عينيها .
مهما فعل الزمن فالحب باقى ولن يصبح يوماً مجرد ....
فى ذلك اليوم من صيف 1986 والساعه
قد تجاوزت الثانيه ظهراً
جلس ذلك الطفل وصديقته امام المعهد الابتدائى الازهرى الذى يدرسان فيه
كانت هى تبكى بشده وهو حزين ، وقد يبدو هذا غريبا ، فقد حصلوا على الشهاده الابتدائيه بأمتياز
حاول الطفل ان يقول شيئاً إلا ان الكلمات اختنقت فى حلقه لدقائق، ثم لم يلبث ان قال بصوت مبحوح :
- احنا مش نجحنا خلاص ... بتعيطى ليه بقى ؟!
رفعت اله وجهها مسربلاً بالدموع وهى تهتف بصوت مختنق :
- يعنى انت مش عارف ده معناه ايه ؟
إغرورقت عيناهما بالدموع ، فقد كان يعلم انه طبقا لقوانين التعليم بالازهر سوف يفترق عنها – ربما للابد
لذا فقد امسك كفها بين راحتيه واستجمع بقايا شجاعته وهو يقول :
- انا عارف اننا هنفترق ... لكن خليكى واثقه انى لا حبيت ولا هحب حد غيرك طول عمرى
ثم صمت لحظه ادرك فيها ان شجاعته سوف تخونه فاستطرد قائلا :
- وخليكى واثقه ان ربنا (سبحانه وتعالى) هيجمعنا ، واذا مكنش لينا نصيب ... فالــ... فالوداع .
قالها وترك يديها وابتعد عنها بسرعه قبل ان تخذله شجاعته ، خاصه ، وهو يحس بأنه قد ترك معها قطعه من جسده ...
لقد ترك قلبه ....
إلى هنا توقفت الذكريات
وتماسكت ايدينا واشتدت تماسكها ، ونحن نتبادل حديث الحب بالنظرات همست هى قائله :
- تسع سنين
اكملت بنفس الصوت الهامس :
- وشهرين و11 يوم .. ده حلم
زادت ابتسامتها وصوتها همساً وهى تقول
- أكيد ده حلم
إحتضنت كفيها بين راحتى وانا اقول
- كنت واثق ان ربنا هيجمعنا فى يوم من الايام
ثم شملنا الصمت ، وقد اشتعلت فى القلوب نيران حب لم تنجح كل هذة السنوات على اخماده فى قلبينا
وإشتعلت وإشتد اشتعالها .... حتى انفجرت
انفجرت على شكل صرخه فرحه ، اطلقناها معاً ، وكل منا يقفز واقفا ، محتضناً الاخر ، وابتسم السائحون الاجانب
لهذا المشهد المألوف لديهم ، أما نحن ، فقد نسينا العالم من حولنا .
وذاب كل منا فى أحضان الاخر ، و......
مضى بنا القطار
حقا
لقد كناً ومازلنا ... أطفالاً...
إن كنتَ صديقي.. ساعِدني كَي أرحَلَ عَنك..
أو كُنتَ حبيبي.. ساعِدني كَي أُشفى منك
لو أنِّي أعرِفُ أنَّ الحُبَّ خطيرٌ جِدَّاً
ما أحببت
لو أنِّي أعرفُ أنَّ البَحرَ عميقٌ جِداً
ما أبحرت..
لو أنِّي أعرفُ خاتمتي ما كنتُ بَدأت...
إشتقتُ إليكَ.. فعلِّمني
أن لا أشتاق
علِّمني كيفَ أقُصُّ جذورَ هواكَ من الأعماق
علِّمني كيف تموتُ الدمعةُ في الأحداق
علِّمني كيفَ يموتُ القلبُ وتنتحرُ الأشواق
إن كنتَ قويَّاً.. أخرجني من هذا اليَمّ..
فأنا لا أعرفُ فنَّ العوم
الموجُ الأزرقُ في عينيك.. يُجرجِرُني نحوَ الأعمق
وأنا ما عندي تجربةٌ في الحُبِّ .. ولا عندي زَورَق
إن كُنتُ أعزُّ عليكَ فَخُذ بيديّ
فأنا عاشِقَةٌ من رأسي حتَّى قَدَمَيّ
إني أتنفَّسُ تحتَ الماء..
إنّي أغرق..
أغرق..
أغرق..